ألقت مادلين مرساتها سريعًا، وبعيدًا عن شواطئ غزة، ولم تصل أي من معوناتها إلى المحتاجين هناك، ولم يتحقق الحلم الإنساني لاثني عشر ناشطًا بالرسو على رمال غزة واحتضان ما بقي منها، لكن رحلتها القصيرة والسريعة حرّكت مياهًا راكدة في الضمير الإنساني الغافل عن أكثر من مليوني إنسان، تحت وطأة الموت منذ أكثر من 600 يوم.
من خلال مسيرها، أكدت أن الغاية كثيرًا ما تسمو على الوجهة، وأن الشعور الإنساني عابر للحدود والبحار، وأن غزة تحتاج إلى فعل فقط، فعلٍ حقيقي، حتى لو لم يُكلَّل بخاتمة، إذ يكفي أنه سيشق طريقًا لأفعال أخرى، وتضامنٍ وحراكٍ أكبر، قد يُتاح له أن يضغط على شيء ما، أو نظام ما، فتترنح الإبادة وتهوي بعيدًا عن غزة وأهلها.
ماذا نعرف عن السفينة مادلين؟
- هي الرحلة الـ 36 من رحلات أسطول الحرية لكسر الحصار عن قطاع غزة، أبحرت من ميناء كاتانيا الإيطالي مطلع يونيو/حزيران 2025.
- سُميت على اسم مادلين كُلاب، أول فتاة فلسطينية احترفت صيد الأسماك في قطاع غزة، وفقدت والدها خلال حرب الإبادة الحالية.
- حملت السفينة على متنها 12 شخصًا، من بينهم عضو في البرلمان الأوروبي، وناشطة في مجال البيئة والمناخ، وممثل إيرلندي، وصحفيين وكُتاب، بالإضافة إلى مساعدات إنسانية مثل مواد غذائية وأدوية ومعدات طبية وأطراف صناعية للأطفال المصابين، ومعدات لتحلية المياه.
خط مسيرها:
- انطلقت السفينة من ميناء كاتانيا -صقلية جنوبي لماإيطاليا، ويبعد قرابة 100 ميل بحري عن قطاع غزة.
- اعتمد طاقم السفينة نظام “Garmin” للملاحة البحرية للتغلب على التشويش على إشارة الملاحة (GPS) من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية.
استعدادات مسبقة:
- تأمين مظلة برلمانية دولية مسبقة.
- اختيار مرفأ انطلاق محايد مثل كاتانيا (إيطاليا)، والإبحار بسفينة مسجلة بشكل قانوني في دولة أوروبية.
- تحضير خطة طوارئ للإنقاذ والاتصال، تتضمن تحديد مواقع الأقمار الصناعية، وخطة اتصال بديلة في حال التشويش.
- إشراك شخصيات رمزية متنوعة؛ مثل نشطاء بيئة، وفنانين، وصحفيين، لخلق صدى إعلامي متنوع وجذب جمهور غير سياسي.
- توثيق مباشر عبر البث الحي، من خلال تجهيز السفينة بمعدات بث فضائي عبر الأقمار الصناعية، لمواجهة التعتيم الإعلامي الذي تفرضه “إسرائيل” أثناء عملية الاعتراض.
- تنوع الجنسيات والمعتقدات على متن السفينة، ليصعب على “إسرائيل” شيطنة الطاقم أو وصفه بأنه تابع لطرف واحد.
رُكابها وطاقمها:
- النائبة الفرنسية في البرلمان الأوروبي ريما حسن.
- الناشطة البيئية السويدية، غريتا ثونبيرغ.
- الناشطة الألمانية في مجال الدفاع عن اللاجئين وحقوق الإنسان، ياسمين أكار.
- الممثل الإيرلندي الذي اشتهر بشخصية الفارس “دافوس سيوورث” في مسلسل صراع العروش، ليام كانينغهام.
- الناشط الفرنسي، وأحد أفراد طاقم سفينة الحرية التابعة لأسطول الحرية 2018، باسكال موريراس.
- الناشط الإسباني، وعضو منظمة حماية البيئة البحرية، سيرجيو توريبيو.
- الطالب الهولندي في مجال الهندسة البحرية، ماركو فان رينيس.
- الطبيب الفرنسي، أبتيس أندري.
- الناشطة الفرنسية، ريفا فيارد.
- الناشط التركي، شعيب أوردو.
- منسق أسطول الحرية- فرع البرازيل، والناشط البرازيلي المتخصص في الشؤون الدولية والبيئية، تياغو أفيلا.
- الصحفي الفرنسي الداعم لحركة المقاطعة، يانيس حمدي.
- الصحفي المصري في فضائية الجزيرة، عمر فياض.
مختطفون في سجن عوفر كما لو أنهم مجرمون، رغم أنهم أبهروا العالم بشجاعتهم… ما الذي واجهه أبطال “مادلين”؟#Madleen #MadleenToGaza pic.twitter.com/DdkooK2c5t
— نون بوست (@NoonPost) June 9, 2025
لماذا لم تنطلق من تركيا أو قبرص أو مصر أو لبنان؟
- تقارب العلاقات بين “إسرائيل” وتركيا منذ اتفاقيات 2022–2023 في مجالات الطاقة والتطبيع الدبلوماسي، دفع أنقرة لرفض احتضان تحركات تعتبرها “إسرائيل” عدائية، وعدم دعم أي نشاط بحري ضد “إسرائيل”.
- قيام “إسرائيل” عام 2011 بإبرام اتفاقيات مباشرة مع قبرص لمنع السفن “المعادية” من مغادرة موانئها تجاه غزة، إلى جانب انقسام الجزيرة، حال دون انطلاق أي سفينة كسر حصار، من الجنوب المعترف به دوليًا.
- المشاركة المصرية في فرض الحصار على غزة، وإغلاق الساحل المقابل للقطاع تحت ذريعة الأمن القومي والتنسيق مع “إسرائيل”، حال دون أي تحرك بحري- أو بري- من مصر إلى غزة.
- حساسية العلاقة التي تقترب من حالة حرب رسمية بين لبنان و “إسرائيل”، ومخاوف من اعتبار أي تحرك بحري يُعتبر استفزازًا قد يؤدي إلى تصعيد عسكري مباشر.
رسائل مادلين العابرة للبحار
تقول حملة السفينة مادلين: كسر الحصار ليس فقط هدفًا إنسانيًا، بل شكل من أشكال المقاومة الشعبية العابرة للحدود.
- رسالة إلى “إسرائيل“: لسنا تهديدًا عسكريًا، بل فضيحة أخلاقية لنظام يهاب قاربًا صغيرًا يحمل مساعدات وأملًا. لسنا نخترق حدودًا، بل نكشف حدود الوحشية التي تحاصر شعبًا أعزل.
- رسالة إلى العالم: غزة ليست وحدها، بل أنتم الغائبون. كل موجة تضرب السفينة تحمل نداء استغاثة من طفل، من أم، من مريض ينتظر علاجًا لا يأتي. لا تقولوا “لم نكن نعلم”؛ هذه السفينة تطرق أبوابكم جميعًا.
- رسالة إلى الرأي العام: نُبحر لنكشف التواطؤ، لنُضيء على صمت الإعلام، على ازدواجية المعايير، على الحكومات التي تدّعي حقوق الإنسان.
- رسالة إنسانية: نحمل أملًا لا إغاثة. لسنا أبطالًا، نحن مجرّد شهود يرفضون أن يصمتوا، فهذه الرحلة ليست شحنة طبية عابرة، بل صرخة ضد التجاهل، ورفضٌ لأن يُعامل أهل غزة كفائضٍ بشري.
- رسالة إلى شعوب العالم: الفعل المباشر يُجدي. لا تنتظروا حكوماتكم، ولا تراهنوا على أنظمةٍ صمّاء. تحرّكوا بما تستطيعون، فكل خطوة صغيرة على الأرض قد تُحدث خلخلة في جدار الظلم.
كيف واجهتها “إسرائيل”؟
- مارست ضغوطًا على الدول التي يحمل النشطاء جنسياتها (خصوصًا السويد وإسبانيا) لردعهم عن دعم السفينة، ما دفع الحكومات لإصدار بيانات تحذير لمواطنيها من التوجه إلى غزة.
- قطعت إشارات “GPS” والاتصال بالأقمار الصناعية قبيل الاعتراض.
- روّج الإعلام الإسرائيلي بأن السفينة محاولة “استفزازية لا إنسانية”، وبأن طاقمها معادٍ للسامية.
- اعترضتها البحرية الإسرائيلية في المياه الدولية قبل الاقتراب من غزة.
- اقتحام السفينة من قبل الوحدة البحرية “شاطيت 13″، وتحويل وجهتها إلى ميناء أسدود.
- إخضاع جميع ركابها للتحقيق، ثم ترحيلهم، ومنع بعضهم من دخول الأراضي الفلسطينية لمدة 10 سنوات.
الاهتمام الدولي بالسفينة، وحمل طاقمها جوازات سفر غربية، دفع “إسرائيل” إلى التعامل معها بهدوء وحذر، مكتفية بتوجيه رسائل إعلامية وسياسية وعسكرية مسبقة، تفاديًا لتكرار مشهد سفينة “مافي مرمرة” عام 2010.
هل تتكرر مادلين في نُسخٍ أخرى؟
نعم، من المتوقع جدًا، وبأشكالٍ أخرى كان مثالًا لها الإعلان عن انطلاق قافلة الصمود التونسية في طريقها إلى غزة، بهدف كسر الحصار الخانق المفروض على القطاع.
“مادلين” من البحر وقافلة الصمود من البر.. أبطال من تونس يشقون طريقهم نحو معبر رفح لكسر الحصار عن #غزة#قافلة_الصمود #Madleen pic.twitter.com/QMdsmrgTWN
— نون بوست (@NoonPost) June 9, 2025
كيف يمكن زيادة فرص النجاح في حملات كسر الحصار عن غزة؟
- التنسيق مع هيئات أممية ودولية، مثل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لتأمين ضمانات رمزية للحملة.
- استخدام قرارات المحاكم الأوروبية، لتجهيز دعاوى قانونية مسبقة ضد اعتراض “إسرائيل” للحملة، وخلق ضغط قانوني مسبق.
- حملة إعلامية موازية باللغات العالمية، تستخدم مصطلحات الحقوق الإنسانية والحرية والرمزية السلمية وليس فقط السياسية.
- دعم من منظمات إغاثة معترف بها، مثل الصليب الأحمر، لربط الحملة بأهداف إنسانية وإغاثية ملموسة.
- تجهيز شبكة تضامن عالمي للتعبئة الشعبية، تُطلق تظاهرات بالتزامن مع اقتراب السفينة للمياه الفلسطينية، لكسر الحصار الرمزي والسياسي.
- إرسال شحنة رمزية، لا تجارية، مثل كتب، أدوات مدرسية، ألعاب، أطراف صناعية.
- إشراك فاعلين في قضايا أخرى مثل ضحايا الحروب والمجاعات والتمييز العنصري والإبادة، لربط غزة بخطاب عالمي يتجاوز الجغرافيا والسياسة.
في ميزان ردود الأفعال على اعتراض مادلين
- السويد: وزارة الخارجية اتصلت بسلطات الاحتلال الإسرائيلية، وأعلنت استعدادها لتقديم دعم قنصلي للسويديين من رُكاب مادلين.
- فرنسا: الرئيس الفرنسي طلب إعادة المواطنين الفرنسيين فورًا، ووزير الخارجية أكد الدعم القنصلي لحملة جنسيتها والركاب المحتجزين.
- إسبانيا: استدعت وزارة الخارجية الإسبانية القائم بالأعمال الإسرائيلي في مدريد للاحتجاج، وطالبت بضمانات لسلامة حملة جنسيتها وبقية الرُكاب.
- ألمانيا: السفارة الألمانية في الكيان تواصلت مع سلطات الاحتلال وعرضت دعمًا قنصليًا للركاب من حملة جنسيتها.
- بريطانيا: رئيس الوزراء البريطاني دعى إلى حل آمن ينسجم مع القانون الإنساني الدولي، وطالب الجانب الإسرائيلي بتوضيحات حول اعتراض سفينة ترفع العلم البريطاني.
- تركيا: وزارة الخارجية أدانت الاعتراض في المياه الدولية، واعتبرته انتهاكًا للقانون الدولي وتهديدًا لحرية الملاحة، وتوعّدت الجانب الإسرائيلي بمتابعة القضية دبلوماسيًا.
- إيرلندا: أكدت وزارة الخارجية متابعتها لوضع الممثل الإيرلندي، وتوفيرها المساعدة القنصلية التي يحتاجها.
- الاتحاد الأوروبي: بعثة الاتحاد الأوروبي أبلغت سلطات الاحتلال الإسرائيلية في مذكرة شفهية، أنها تتوقع احترام القانون الدولي، وتمكين الاتصال القنصلي للركاب مع دولهم.
- الأمم المتحدة: المقرّرة الخاصة فرانشيسكا ألبانيزي طالبت بضمان الإفراج الفوري عن السفينة وطاقمها، ودعت بقية موانئ المتوسط إلى إرسال قوافل مشابهة.
- البرازيل: لم يصدر عنها بيانات علنية، بينما تمت الإشارة لاتصالات غير معلنة لترحيل مواطنيها بهدوء.
- هولندا: لم تصدر تصريحات أو بيانات للإعلام، لكن التواصل الدبلوماسي قائم لترحيل مواطنيها.